وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لَمَّا حَلَّ الْمَسَاءُ، قَالَ لِتَلَامِيذِهِ: ”تَعَالَوْا نَعْبُرُ إِلَى الشَّاطِئِ الْآخَرِ.“ فَتَرَكُوا الْجُمْهُورَ، وَأَخَذُوهُ فِي الْقَارِبِ كَمَا كَانَ، وَكَانَتْ مَعَهُ أَيْضًا قَوَارِبُ أُخْرَى. وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ عَاصِفَةٌ، وَأَخَذَتِ الْأَمْوَاجُ تَضْرِبُ الْقَارِبَ، حَتَّى كَادَ يَمْتَلِئُ بِالْمَاءِ. وَكَانَ هُوَ فِي الْمُؤَخَّرِ نَائِمًا عَلَى مَخَدَّةٍ. فَأَيْقَظُوهُ وَقَالُوا لَهُ: ”يَا مُعَلِّمُ، أَلَا يَهُمُّكَ أَنْ نَغْرَقَ؟“ فَقَامَ وَوَبَّخَ الرِّيحَ، وَقَالَ لِلْأَمْوَاجِ: ”اُسْكُتِي. اِهْدَأِي.“ فَسَكَتَتِ الرِّيحُ وَسَادَ الْهُدُوءُ التَّامُّ. فَقَالَ لَهُمْ: ”مَا لَكُمْ خَائِفِينَ؟ هَلْ لِحَدِّ الْآنَ لَيْسَ عِنْدَكُمْ إِيمَانٌ؟“ فَارْتَعَبُوا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”مَنْ هُوَ هَذَا حَتَّى تُطِيعَهُ الرِّيحُ وَالْأَمْوَاجُ؟“
ثُمَّ جَاءُوا إِلَى الشَّاطِئِ الْآخَرِ، حَيْثُ بِلَادُ الْجَرَاسِينَ. وَلَمَّا نَزَلَ عِيسَـى مِنَ الْقَارِبِ، قَابَلَهُ مِنَ الْمَقَابِرِ رَجُلٌ فِيهِ رُوحٌ شِرِّيرٌ. فَكَانَ يُقِيمُ بَيْنَ الْمَقَابِرِ، وَلَمْ يَعُدْ فِي إِمْكَانِ أَحَدٍ أَنْ يَرْبِطَهُ وَلَا حَتَّى بِالسَّلَاسِلِ. لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ رَبَطُوهُ كَثِيرًا بِالْقُيُودِ وَالسَّلَاسِلِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُحَطِّمُ السَّلَاسِلَ وَيُكَسِّرُ الْقُيُودَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُخْضِعَهُ. وَكَانَ طُولَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، بَيْنَ الْقُبُورِ وَفِي الْجِبَالِ، يَصْرُخُ وَيُجَرِّحُ نَفْسَهُ بِالْحِجَارَةِ. فَلَمَّا رَأَى عِيسَـى مِنْ بَعِيدٍ، جَرَى إِلَيْهِ وَسَجَدَ لَهُ، وَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: ”مَا لَكَ بِي يَا عِيسَـى يَا ابْنَ اللهِ الْعَلِيِّ؟ أُحَلِّفُكَ بِاللهِ، لَا تُعَذِّبْنِي.“ لِأَنَّ عِيسَـى قَالَ لَهُ: ”أَيُّهَا الرُّوحُ الشِّرِّيرُ، اُخْرُجْ مِنَ الرَّجُلِ.“ وَسَأَلَهُ عِيسَـى: ”مَا اسْمُكَ؟“ فَأَجَابَ: ”اِسْمِي فِرْقَةٌ، لِأَنَّنَا كَثِيرُونَ.“ وَتَوَسَّلَ إِلَى عِيسَـى بِإِلْحَاحٍ أَنْ لَا يَطْرُدَ الْأَرْوَاحَ الشِّرِّيرَةَ مِنْ تِلْكَ الْمِنْطَقَةِ.وَكَانَ هُنَاكَ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ الْخَنَازِيرِ يَرْعَى عَلَى جَانِبِ الْجَبَلِ. فَتَوَسَّلَتْ إِلَيْهِ الْأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ وَقَالَتْ: ”أَرْسِلْنَا إِلَى الْخَنَازِيرِ لِنَدْخُلَ فِيهَا.“ فَسَمَحَ لَهَا، فَخَرَجَتِ الْأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ مِنَ الرَّجُلِ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ. فَانْدَفَعَ الْقَطِيعُ، وَسَقَطَ مِنْ عَلَى الْجَبَلِ إِلَى الْبُحَيْرَةِ وَغَرِقَ، وَكَانَ عَدَدُهَا حَوَالَيْ 2000. فَهَرَبَ الرُّعَاةُ وَأَخْبَرُوا فِي الْمَدِينَةِ وَفِي الْقُرَى. فَأَقْبَلَ النَّاسُ لِيَرَوْا مَا جَرَى، وَجَاءُوا إِلَى عِيسَـى. وَرَأَوْا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَلْبُوسًا بِالشَّيَاطِينِ جَالِسًا، وَلَابِسًا مَلَابِسَهُ، وَسَلِيمَ الْعَقْلِ، هُوَ الَّذِي كَانَ فِيهِ فِرْقَةٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ، فَخَافُوا جِدًّا. فَأَخْبَرَهُمْ شُهُودُ الْعِيَانِ بِمَا جَرَى لِلرَّجُلِ الَّذِي كَانَ مَلْبُوسًا بِالشَّيَاطِينِ، وَعَنْ مَوْضُوعِ الْخَنَازِيرِ. فَطَلَبُوا مِنْ عِيسَـى أَنْ يَرْحَلَ عَنْ بَلَدِهِمْ.وَبَيْنَمَا هُوَ يَرْكَبُ الْقَارِبَ، تَوَسَّلَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ مَلْبُوسًا بِالشَّيَاطِينِ أَنْ يَذْهَبَ مَعَهُ. فَلَمْ يَسْمَحْ لَهُ عِيسَـى، بَلْ قَالَ لَهُ: ”اِذْهَبْ إِلَى دَارِكَ، إِلَى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُمْ بِكُلِّ مَا عَمِلَهُ رَبُّكَ لَكَ، وَبِرَحْمَتِهِ عَلَيْكَ.“ فَرَاحَ وَأَخَذَ يُخْبِرُ النَّاسَ فِي مِنْطَقَةِ الْمُدُنِ الْعَشْرِ بِمَا عَمِلَهُ عِيسَـى لَهُ، فَانْدَهَشَ الْجَمِيعُ.
© International Sharif Bible Society, 2016